السؤال:
السلام عليكم.. أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، أعمل مهندسًا؛ براتب- والحمد لله- جد ممتاز، مشكلتي تتلخص في أن والدتي- حفظها الله- لا تريدني أن أتزوج الآن، وفي كل مرة أحاول أن أقنعها؛ لكنها تأبى ذلك؛ متذرعة بأنني لا زلت صغيرًا على الزواج؛ وبأنني إذا تزوجت سيأخذني حب زوجتي من أمي وأهلي؛... إلى مثل ذلك من الكلام.
وفي آخر مرة؛ قالت لي: الشباب اليوم يتزوجون في سن أكبر من سنك، حتى يبلغون الثلاثين من العمر، فأجبتها بأن ديننا يفرض على كل من توفرت فيه شروط الباءة الزواج، لكنها لم تجبني.
في الحقيقة أنا أحتار من أمري، فأنا أخاف على نفسي من الوقوع في الحرام؛ خصوصًا في زماننا هذا؛ حيث كثرت الفتن، ولا أضمن العفاف لنفسي إلا بالزواج، ومن جهة أخرى أريد رضاء والدتي؛ التي لا أدري إن كانت تعلم حجم الفتن التي تحيط بالشباب اليوم أم لا؟
صراحة لا أعلم كيف أقنعها مع إصرارها الشديد؟! علمًا بأنني الابن البكر في أسرتي؛ التي تتكون من والدي وأخت وأخ، والحمد لله تربينا في أسرة متوسطة الحال، في جو يسوده الحب والاستقرار.
الجواب:
أخانا الفاضل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله-عز وجل- أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر..اللهم آمين.. ثم أما بعد:
بداية فإنني أدعوك لشكر الله عز وجل؛ على هذه النعم التي حباك بها؛ حيث رزقك العمل والراتب الجيد؛ ففقدانهما من أكبر أسباب العنوسة في مجتمعنا العربي المسلم؛ فاشكر الله يزدك من نعمه؛ قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: من الآية: 7].
كما أثني على بِرِّك لوالدتك؛ وصبرك الجميل عليها؛ فإنك ببرها أمرت؛ قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]؛ وعن عقوقها نُهيت؛ قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15]؛ فاحمد الله واشكره أن رزقك بر والديك؛ وعليه فاحرص.
لكن ما يدهشني حقًّا؛ هو رفض والدتك أن تبادر بالزواج؛ فالمفروض أن تلح عليك هي لتسرع بالزواج؛ تحصينًا لولدها البكر من الوقوع في المعاصي؛ خاصة وأننا في زمن تتداعى فيه الفتن على المسلم لتفتك به؛ فالتبرج والخلاعة أصبحا شعار الكثيرين من النساء والبنات في الشوارع؛ كما أن المؤشرات والدراسات المسحية التي جرت مؤخرًا تحذر من ازدياد شبح العنوسة في المجتمع العربي والمسلم؛ وهو ما يجعل العقلاء من الآباء والأمهات أكثر رغبة في تزويج أبنائهم وبناتهم؛ تحصينا لهم.
وقد دعا ديننا الإسلامي الحنيف- كما بينت لوالدتك- كل من ملك مئونة الزواج إلى التبكير والتعجيل به؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومع احترامي لوجهة نظر والدتك الكريمة؛ فقد جانبها الصواب في رأيها هذا؛ كما أن العلل التي تتذرع بها واهية إلى أبعد الحدود؛ فأنت لم تعد صغيرًا كما تظن؛ وليس الثلاثين سن مضروب للزواج؛ بل هو مما ابتلي به الشباب في زمن الغلاء الفاحش وقصر ذات اليد؛ فأنت في أنسب سني الزواج (24 عامًا) طالمًا أنك ميسور؛ ولله الحمد؛ بل إنك مأمور بالتبكير لكونك تستطيع الباءة (نفقات الزواج والإعالة)، كما أن حب الزوجة لا يتعارض مع حب الأم والأهل؛ فلكل منهم سياق غير الآخر؛ بل إن الزوجة الصالحة تكون عونًا لزوجها على بر أمه وأبيه وأهله.
وحفاظًا على وقتك؛ فإنني أنصحك بالآتي:
1- استعن بالله أولا وآخرًا: فتوضأ وصَلِّ ركعتين في جوف الليل، وابك بين يدي ربك؛ وتبتل إليه؛ وتوجه إليه بالدعاء أن يلين لك قلب أمك؛ وأن يرزقك رضاها وبرها.
2- الجلوس مع والدتك: ومصارحتها بأنك تريد الزواج؛ وتخشى على نفسك من الفتن؛ وتفهيمها بأن الزواج لن يأخذك منها، وأن مكانتها في قلبك لا ينافسها عليها أحد، ولا حتى الزوجة، وإن لم يكن لديك مانع اطلب منها أن تختار هي لك زوجة صالحة؛ تحبها وتثق فيها، ليطمئن قلبها بأنها لن تأخذك منها.
3- بكر بالزواج: فإنه على مثلك واجب؛ لكونك تملك مؤنته؛ وتخشى على نفسك من الوقوع في الحرام.
4- اتخذ أحدًا ممن تحبهم أمك وتثق برأيهم؛ للتوسط لديها؛ مثل: أبيك أو خالك أو خالتك، أو إحدى الداعيات الإسلاميات اللائي يقمن في الحي الذي تعيشون فيه؛ على أن تكون لها منزلة ومكانة لدى أمك؛ ليتحدثوا معها في الأمر بطريق غير مباشر، وعلى انفراد؛ بعيدًا عن الناس، حتى لا تصر على رأيها، وتعاند في الأمر.
5- اجتهد ما استطعت أن تقيم بالقرب من والدتك؛ ولو في السنة الأولى من الزواج؛ حتى لا تشعر والدتك بالفرقة، واحرص على زيارتها وتقديم الهدايا لها، واقنع زوجتك بالتودد إليها، وبذل الجهد لنيل ثقتها ومحبتها.
الكاتب: همام عبدالمعبود.
المصدر: موقع المسلم.